السبت، ١٦ يونيو ٢٠٠٧

من أنا؟

ببساطة شديدة جد أنا انسانة عادية، وكعادة كل شباب بلدنا تخرجت من كلية مرموقة ولأني ليست لدى واسطة أو دهر زي ما بيقولو بقالي سنتين متخرجة دلوقتي وما اشتغلتش، ولأني بحب الكتابة وبحب اني اعبر عن اللي جوايا عملت البلوج دي عشان أخد راحتي في الكلام.

بمناسبة الواسطة والشغل اللي أنا بعاني منها وكتير جدا مننا بيعاني منها أحب اعرض عليكوا نموذج لشباب هذا البلد الذي كان يملؤه الطموح وقت الدراسة وحاسس انو خلاص لما يتخرج هيغير الكون ولكن خرجنا كلنا وانصدمنا بالواقع ومنه صاحب هذه الرسالة

السيد/...
لقد تخرجت في جامعة القاهرة من احدى الكليات المرموقة، بتقدير عام جيد جدا مع مرتبة الشرف، وبترتيب الأول علي الدفعة، وقد وافق مجلس القسم بالكلية، وكذلك مجلس الكلية علي ترشيحي للعمل كمعيد بالقسم، وعلي الرغم من مرور حوالي سنتين علي ذلك، فإنه لم يتم التعيين حتي الآن بسبب اللائحة الجائرة، وتم مؤخرا تعيين اثنين من الدفعة التالية لي، وقالوا لنا: «مفيش درجات مالية لكم علشان تتعينوا»، ويواجه معي هذه المشكلة أربعة من زملائي في الكلية نفسها من أقسام مختلفة.
لا أستطيع أن أصف مدي المرارة والألم والهوان التي أحس بها في هذه اللحظات، فما أقسي علي الإنسان أن يحس بعد التعب والكفاح والمعاناة أنه لا يساوي أي شيء، وأنه كان يحرث في البحر!
اليوم، واليوم فقط، أدركت أنني كنت علي خطأ حينما سعيت للتفوق، أخطأت حينما «طفحت الدم» واتمرمطت وسهرت الليالي علشان أبقي بني آدم، وأنه كان يجب أن أكون تافها عابثا علشان أبقي حاجة في هذا البلد.
لقد عرفت الآن لماذا يخرج الإرهابيون والخونة والمتطرفون من هذا البلد، وعرفت كذلك لماذا يهرب النابغون والمتفوقون من أبناء هذا الوطن إلي الخارج، ليزداد هذا الخارج علما وتقدما، في حين نزداد نحن جهلا وتأخرا وتراجعا، عرفت لماذا نزرع وهم يحصدون، لماذا نستورد وهم يصدرون، لماذا نهدم وهم يبنون؟ لماذا نتأخر وهم يتقدمون؟

سوف يأتي يوم يكون فيه مليون «عبدالحميد شتا» ذلك الشاب المكافح الذي انتحر بعد أن فوجئ بأن التفوق والاجتهاد ليس لهما أي قيمة، وأرجو أن تذكر لي رأيك في واقعة أنه في أحد الأعوام رشح أحد الأقسام بالكلية خمسة من المعيدين، رغم أنه لم يكن في حاجة ماسة إليهم، وذلك لا لشيء إلا لأن الخامس كان ابن فلان، وهو بالمناسبة اليوم أحد المذيعين المشهورين جدا، وماذا يكون شعور الفرد حينما يعرف بهذا الكلام؟
لقد ظللت طوال ١٦ عاما من التعليم وأنا أسمع كلاما جميلا مثل «أنتم شباب المستقبل»، «أنتم اللي هاتمسكوا البلد»، ولكني أفقت في النهاية لأكتشف أنني لا أمسك شيئا سوي الوهم والسراب وخيبة الأمل.
ولقد تأكدت لدي مقولة أحد أصدقائي: «هذه دعوة لعدم التفوق»، وكلامه صحيح تماما، لأن اللي بيشتغل زي اللي ما بيشتغلش، ولقد سألت نفسي السؤال التالي عشرات المرات لكني لم أصل إلي إجابة: ما الفرق بيني وبين الأخير علي دفعتي؟ وهل إنه فعلا أصبح اللي بياخد مايستحقش وإن اللي يستحق ما بياخدش؟
بقي أن أقول إنني تذكرت ـ وأنا أكتب هذه السطور ـ كلمات ليوسف إدريس: «حين يتساوي الجميع.. المجتهد والغشاش.. المحترم والمزور.. نجد الناس نافضي يدهم من كل شيء.. ساخطين علي كل شيء».
كما تذكرت أيضا كلمات أوصتنا بها واحدة من أساتذتي قبل رحيلها عن هذا العالم حيث قالت: «بكره ده بتاعكم، وهو حقكم لوحدكم، لازم تدافعوا عنه»، وقد حاولت طوال ١٦ عاما من التعليم أن أدافع عنه لكنني للأسف لم أجد من يدافع عني، فقد أضاعوني.

يضيف مجدي مهنا الذي أورد هذه الرسالة بإحدى الجرائد "ولا تعليق.. الرسالة فقط موجهة إلي وزير التعليم العالي، وإلي رئيس الوزراء، وإلي وزير الداخلية، وإلي كل من يهمه مستقبل هذا الوطن." وقد يكون من ذكرهم آخر من يعنيهم مصلحة الوطن.


أدي واحد من الشباب اللي أنا بتكلم عنهم واللي أنا واحدة منهم ضايعين مش عارفين نعمل ايه أو نروح فين منا اللي بيكتئب، منا اللي بينتحر، منا اللي بتصيبه اللامبالة وعدم الطموح، ومنا اللي بيختار الطريق السهل سواء الهجرة أو العمل الغير شريف بس هنعمل ايه مش بإيدينا نعمل حاجة.

بس هي دي كل قصتى وحكايتي مش أكتر