الجمعة، ٨ فبراير ٢٠٠٨

ورحل رجاء النقاش...القلم الإنسان

فقدت الحياة الثقافية يوم الجمعة الثامن من فبراير الناقد المصري البارز "رجاء النقاش" بعد ان توفاه الله بمستشفى بالقاهرة بعد صراع مع المرض.

ولد محمد رجاء عبد المؤمن النقاش في سبتمبر أيلول 1934 بمحافظة الدقهلية وتخرج في قسم اللغة العربية بكلية الاداب بجامعة القاهرة 1956 وقبل تخرجه اتجه الى النقد الادبي وعرف بدراساته التي كان تنشر انذاك في مجلة (الاداب) البيروتية.
54 سنة صحافة
عمل رجاء النقاش بالصحافة منذ عام 1953..عندما اختاره زكريا الحجاوي ليعمل في جريدة كانت تحت الانشاء في ذلك الوقت وهي جريدة الجمهورية. كانت وظيفة متواضعة وهي التصحيح، وكان طالباً في الجامعة في تلك الفترة وبأشد الحاجة لمثل هذا العمل فقد كانت ظروفه الاقتصادية سيئة ولم تساعده على إكمال تعليمه الجامعي، وكان مرتبه بالشهر 10 جنيهات وهذه الجنيهات القليلة كان لها فضل على اكمال تعليمه الجامعي. أما عن أول صدمة ثقافية في حياته هي.. عندما تفاجأ قبل صدور العدد الاول من الجريدة تم إصدار قرار من السادات بايقاف زكريا الحجاوي عن العمل ومنعه من دخول الجريدة، بناء على ما وصله من تقارير زائفة بالطبع إن الحجاوي يتآمر عليه، وبعد فترة من صدور الجريدة تعرض النقاش أيضاً للفصل، ثم رشحه الاستاذ أنور المعداوي للعمل في المجلة الاسبوعية وكان عمله مراجعاً لكل المادة التي تنشر فيها. بعد تخرجه من كلية الاداب سنة 1956 عمل في الاذاعة في قسم التمثيليات مع الاستاذ يوسف الحطاب، كان قارئاً للنصوص ثم انتقل للعمل مع الكاتب سعد الدين وهبة في المجلة التي كان يحررها وهي البوليس، إنتقل بعدها للعمل في جريدة الجماهير تصدر في دمشق في أيام الوحدة بين مصر وسوريا، ولم تستطع الجريدة بالاستمرار بعد توالي التقارير السرية الامنية ضدها وضد رئيس تحريرها د جمال الاتاسي، وتوقفت عن الصدور.مما اضطره العودة الى مصر في ظروف بالغة الصعوبة، فلم يكن لديه مرتب ولم يحصل على مكافأة ولا على أي شي، بعد عودته الى مصر عمل في عدة مجلات..مجلة روز اليوسف، أخبار اليوم، جريدة الجمهورية، ومنها الى دار الهلال مع أحمد بهاء الدين، ليتولى رئاسة تحرير مجلة الكواكب، وتولى أيضاً بعدها رئاسة تحرير الهلال، وانتقل للعمل في مجلة الاذاعة والتلفزيون رئيساً لمجلس الادارة ورئيسا للتحرير. وقد لاقت الاعداد التي أصدرها نجاحاً كبيراً الا إن الظروف التي أحاطت بهذا العمل كانت صعبة جداً وكان سعيداً بخروجه منها دون أن يزج به في السجن بتهمة الانتماء لمراكز القوى، وهي تهمة ملفقة تعرض لها كثيرون.
آراؤه الثقافية
ومن آرائه الثافية التي نادى بها.. إعادة إحياء الانتاج الثقافي للقرن العشرين. فهو يرى أنه قرن عبقري في الثقافة العربية، ويجب أن نضعه بين أيدينا وأمام أجيالنا الجديدة. لانه بداية نهضة كبيرة نحتاج اليها ولا يمكن لهذه النهضة أن تتم دون أن نكون على صلة وثيقة بانتاج القرن العشرين. فهو قرن تجديد اللغة والفكر الديني وفتح الابواب أمام الفكر السياسي الغربي الذي بدون استيعابه والاستفادة منه لا يمكن أن نقيم حياة سياسية سليمة. وهو القرن الذي عرفنا فيه المسرح وأصبح فيه كتاب موهوبون وعرفنا القصة والرواية، فيجب إعادة نشر تراث القرن العشرين بأمانة وعناية ونحرص على أن يصل الى الجماهير الشعبية الواسعة. أما عن الثقافة الحالية للاسف يقول بانها لا تشغل إلا هامش الحياة العربية. فلا أهل السلطة ينظرون اليها نظرة إهتمام جدي، ولا الجمهور يهتم بها ويقبل عليها، لان السياسة والهموم الاقتصادية ابتلعت دور الثقافة وأعادته كثيراً الى الوراء. وهو وضع خطير لانه عندما تختفي الثقافة الحقيقية تحل محلها ثقافة زائفة مليئة بالخرافات والانحرافات وتلك هي البيئة التي يظهر فيها التعصب والتطرف وانعدام الحوار والاهتمام بالشكليات والبعد عن جوهر الامر. وهذه الثقافة الزائفة هي ثقافة التخلف وهي التي تعوق نهضة الامة وتقدمها. فنحن ننهزم وننكسر في كل مواجهة جدية لاننا لا نملك المقومات الثقافية الحقيقية لمثل هذه المواجهة.
ومن كتبه النقدية: (ثلاثون عاما مع الشعر والشعراء)، وأبو القاسم الشابي.. شاعر الحب والثورة، وعباقرة ومجانين، ونساء شكسبير، وعباس العقاد بين اليمين واليسار، وقصة روايتين وهو دراسة نقدية فكرية مقارنة لروايتي (ذاكرة الجسد) للجزائرية أحلام مستغانمي و(وليمة لاعشاب البحر) للسوري حيدر حيدر.

وبرز النقاش منذ كان في مطلع العشرينيات ناقدا يعبر من خلاله الادباء العرب الى الحياة الادبية وقدم عددا من أبرز المبدعين الذين يكبره بعضهم سنا ومنهم الروائي السوداني الطيب صالح الذي أعاد النقاش اكتشاف روايته الشهيرة (موسم الهجرة الى الشمال)، والشاعر المصري أحمد عبد المعطي حجازي الذي كتب له مقدمة ديوانه الاول (مدينة بلا قلب)، والشاعر الفلسطيني محمود درويش الذي أصدر عنه عام 1969 كتاب (محمود درويش شاعر الارض المحتلة).

ونال النقاش جائزة الدولة التقديرية بمصر عام 2000.

وكرم النقاش في يناير 2007 في حفل بنقابة الصحفيين بالقاهرة حيث نال درع النقابة ودرع مؤسسة (دار الهلال) ودرع حزب التجمع.

وينتمي النقاش الى أسرة ضمت مثقفين بارزين فكان أخوه الراحل "وحيد النقاش" مترجما وناقدا وأخوه "فكري النقاش" مؤلفا مسرحيا وتولت أخته الناقدة "فريدة النقاش" رئاسة تحرير مجلة (أدب ونقد) لنحو عشرين عاما ثم أصبحت منذ نهاية 2006 رئيسة تحرير صحيفة (الاهالي) لسان حال حزب التجمع اليساري.
رحمك الله "رجاء النقاش" وليسكنك فسيح جناته، ويجازيك خيرا على فكرك وأعمالك الأدبية التي أثرت الحياة الثقافية وأثرت في العديد من قرائك ومحبيك.

ليست هناك تعليقات: