الثلاثاء، ٨ يناير ٢٠٠٨

كراكيب...للبيع


النفس البشرية عبارة عن بيت يضم مجموعة من الحجرات، وهناك غرفة مضيئة وأخرى مظلمة بها كراكيب، فحاولت دخول غرفة الكراكيب للتعرف على ما بها.. فوجدت لها مفتاح واحد موجود مع صاحب البيت!

فتوجهت اليه مسرعة لأحصل منه على المفتاح فرفض بشدة ورد قائلا: "غرفة الكراكيب لا يدخلها أحد لما بها من مشاعر وأحاسيس غالية"، ولكني لم ايأس واستمريت في الالحاح حتى سمح لي بدخول الغرفة ولكن بشرط... ان لا يستغرق وجودي داخلها سوى 5 دقائق.

وبمجرد ان دخلتها وجدت كراكيب موجودة من سنين...حتى عف عليها التراب...ولكنها ترسبت وحجزت لها مكان.

حب قديم
التقيت بمشاعر حب حزينة لها مكانة كبيرة لدى صاحب البيت فسألته عنها فصمت وتنهد قائلا "إنه حب قديم لم استطع نسيانه رغم مرور فترة طويلة على هذا الحب ولكنني احتفظ بكل ذكرياته لأنه يمثل لي مشاعر الحب الحقيقي، ولقد حاول القلب نسيانه ولكنه فشل فتركتها على امل ان يعود هذا الحب من جديد ليحيي الحب القديم، وفي هذه اللحظة تخيلت قصة الحب التي عاشها صاحب البيت والمصاعب التي واجهته حتى تحولت إلى مشاعر حب حزينة مغلق عليها داخل غرفة الكراكيب!

إحساس بالندم
هنا صاح بي قائلا"اسرعي..لم يبقى لكي سوى ثلاث دقائق فقط"، واذا بنا ونحن نتحرك اصطدمنا بإحساس بالندم...!، فتوقفت وسألته "لما تحتفظ بهذا الاحساس حتى الأن؟، فرد قائلا "إحساس بالندم على خطأ ارتكبته في بداية حياتي ولكن لم انجح من التخلص منه، فظل يراودني من حين الى اخر لذا اتخذت قرار بحبسه داخل غرفة الكراكيب".

فقدان عزيز
واثناء حديثنا تلفت حولي فوجدت صورة جميلة محفورة على جدران الغرفة هنا صمت صاحب البيت وكانت عيناه تزرف بالدموع وقال"هذه الصورة لشخص عزيز على قلبي، فصورته لم استطع نسيانها، فدائما تعود الذكريات كشريط سينمائي أمام عيني فهو يمثل لي الحاضر الغائب، فاقضي كثير من الوقت في التفكير فيه على الرغم من ادراكي الكامل انه لا فائدة.

وفجأة وجدت صاحب البيت ينظر الى ساعته ويصيح لم يبقى لكي سوى ثوان معدودات.

وفي هذه اللحظة سمعنا بائع الروبابيكيا ينادي "أي حاجة قديمة للبيع... كراكيب للبيع" ، فنظرت اليه نظرة فهم معناها، فزاغت عيناه وقال "لا لن يحدث ذلك ابدا"
فقلت له "لماذا تحتفظ بهذه الكراكيب رغم مرور سنين فأنت لست في حاجة اليها الان"، فرد بصوت خافت " كيف يمكنني التخلص منها؟"

إن افضل طريقة للتخلص من المشاعر والأحاسيس المتراكمة هي بيعها لبائع الروبابيكيا لأن استمرار احتفاظك بها لن يفيدك في شئ ولكن سيجعلك غير قادر على الاستمتاع بالحياة، فان افضل طريقة للتخلص من هذه الكراكيب المترسبة في نفسك البشرية هي الابتعاد عن الأشياء التي تجدد ذكريات الحب التي ما زلت تحتفظ بها على الرغم من يقينك ان هذا الحب لن يعود، وإذا صادف وعاد من جديد فكف عن التفكير فيه وبالتدريج ستجد نفسك تخلصت من مشاعر الحب المسيطرة على وجدانك بسهولة.

أما الصورة المحفورة على الجدران للشخص الذي ترى انك افتقدته لا يوجد له بديل هنا يجب ان تبحث عن شخص اخر يحل محله ويعيش معك الحياة.

أما في حالة الندم على شئ قد حدث فإليك عدة حلول: تخلص من لومك بقولك لنفسك" من منا لا يخطئ كما انك لن تتعلم الصواب الا إذا اخطأت" ، او قم بعمل شئ يؤكد لك انك تعلمت من الموقف الذي تلوم نفسك عليه باستمرار وهنا ستتخلص من اللوم نهائيا وتنساه.
وهنا عاد بائع الروبابيكيا مرة اخرى مناديا "كراكيب للبيع" فتبسم صاحب البيت ونادى على البائع.

لي تعليق أخير: لقد كتبت هذا البوست قبل ان أمر بظروف معينة جعلتني اغير وجهة نظري في نقطة "صورة الشخص العزيز" لقد كنت اؤمن ان هذا الشخص قد يبحث الإنسان عن غيره ويعيش معه الحياة، ولكن اتضح لي فيما بعد ان هناك أشخاص لا يمكن ان يحل أحد مكانهم مهما كانت مكانتهم لدينا، فكما علق صاحب البيت واطلق عليه اسم "الغائب الحاضر" فهم فعلا كذلك وبعد رحيلهم بدلا من ان نستغنى عن صورتهم بالعكس نتمسك أكثر بصورتهم وتظل محفورة بداخلنا..ففي النهاية تظل الصور والذكريات هي أخر ما تبقى لدينا منهم

ليست هناك تعليقات: