الخميس، ٢٧ ديسمبر ٢٠٠٧

لقاء من الماضي- قصة قصيرة*

جلسن في أحد المقاهي المنتشرة بوسط المدينة يتحدثن ويتسامرن عن أحوالهن وما تمر به كل منهن، وفي أحد أيام الشتاء الممطرة نظرت إحداهن إلى الخارج وقالت "يبدو إنه يوم ممطر انظرا إلى هذه الغيمة السوداء والسحب تملأ السماء"..... هن ثلاث صديقات جمعت بينهن الدراسة فنشأن معا تعرفن على بعضهن البعض أثناء الدراسة الإعدادية ومن يومها لم يفترقن على الرغم من إختلاف دراستهن الجامعية وبالتالي اختلاف طبيعة عمل وحياة كل منهن الآن؛ فتعيش كل منهن حياتها ولكن لابد أن يجتمعن في أحد أيام الأسبوع ولا تنقطع الإتصالات الهاتفية بينهن.

في هذا اليوم بالذات جلسن في إنتظاره وكل منهن يمر أمام عينيها شريط من الذكريات التي لا تحصى ولا تنسى؛ إنه "حازم" زميل الدراسة الجامعية تعرفت عليه إحداهن وهي "مريم" وعرفته على "رانيا" و "أميرة"، ولكن بعد تخرجهم الأربعة افترقن عنه فسافر إلى إحدى الدول الأوربية ليعمل بها ومنذ ذاك الوقت وانقطعت أخباره عنهن.

دخل عليهن من باب المقهى، تعرفن عليه في الحال فلم يختلف كثيرا عن صورته السابقة رغم مرور كل هذه السنوات الطويلة فيما عدا بعض الشيب الذي ظهر في شعره فأضاف عليه وقارا واحتراما وبهاءا، ولكن بخلاف ذلك فهو كما كان؛ نفس الطول والقوام والأهم من ذلك نفس العينين السوادوين البراقتين اللاتي تشعر عندما تنظر إليهما أنهما تحملان غموض وأسرار وذكاء الكون بأكمله وفي نفس الوقت لا تخلو من الحب والحنان والطيبة، فلا تملك إلا أن تقع في غرامهما.

ألقى عليهن التحية ومد يده لمصافحتهن وعندما وصل إلى "رانيا" لمعت عيناها ورجعت بذاكرتها إلى الوراء فكان هو حبها الأول الذي خذلها ولم يبادلها نفس الشعور وظلت ماسكة يده لفترة قد تكون اطول من اللازم حتى لاحظتا "مريم" و "أميرة" الأمر فنبهاها فتركته وجلست... جلس معهن على نفس الطاولة وأبدى سعادته الغامرة برؤيتهن من جديد والتي لم يكن يتوقعها على الإطلاق، وبمحض الصدفة استطاع ان يصل اليهن عندما عاد من سفره وذهب إلى بيت أسرته فوجد في غرفته صندوق احتفظ فيه ببعض متعلقاته القديمة التي كانت تخص فترة دراسته الجامعية، فاستطاع الحصول على رقم تليفون احداهن ولم يجد نفسه إلا ماسكا سماعة الهاتف ويتصل بها متمنيا من داخله ان يكون الرقم صحيحا، فردت عليه "مريم" التي عبرت عن سعادتها البالغة بمعرفة أخباره واتفقا على الالتقاء في هذا المكان مع "رانيا" و"أميرة".


بدأت "مريم" في إلتقاط أطراف الحديث عندما ضحكت ونظرت إليه وهي تتذكر ما حدث لهم وقالت له "أتذكر يا حازم عندما كنت معجبا بأميرة وكنت كثيرا ما تطلب مني أن اوصل لها مشاعرك"، ضحكت أميرة في خجل وضحك هو الآخر وقال لها:"نعم كانت أيام جميلة كنا مازلنا ببراءتنا وعفويتنا ومشاعرنا التلقائية".


وفي هذه اللحظة تجهمت "رانيا" ونظرت إلى "مريم" نظرة ثاقبة، فأدركت "مريم" الموقف وغيرت مجرى الحديث في الحال ليدور بينهم حديث عن ذكريات أيام الدراسة وما كان يحدث لهم، وظلت "رانيا" صامتة تنظر إلى السماء التي أصبحت ملبدة بالغيوم فحجبت الشمس وأخفت ضوئها وتكاثرت السحب وبدأ هطول الأمطار الغزيرة الذي لفت نظرهم ليقطع مجرى الحديث بينهم، وفي هذه الأثناء ينظر "حازم" إلى ساعته ويعتذر لهن عن إضطراره الإستئذان لإرتباطه بموعد هام، فألقى عليهن السلام معبرا مرة أخرى عن سعادته بلقائهن وغادر بينما تتبعته "رانيا" بنظراتها الحزينة وهو يغادر المكان.


وبخروجه تنفجر "رانيا" في البكاء موجهة الإتهامات لمريم بخيانتها وإخفاء هذا الموضوع عنها قائلة لها:"إذا كل تلك السنوات وانتي تعرفين أنه يحبها هي ولم تصارحيني بالحقيقة"، فنظرت إليها "مريم" بدهشة ودافعت عن نفسها قائلة: "فعلت ذلك لإنه لم يكن لك نفس الشعور ولم أرد ان احكي لكي حتى لا اجرح شعورك"، فردت عليها "رانيا" قائلة:" أي جرح للشعور الذي تتحدثين عنه، انتي أكثر إنسانة تعرف كم تألمت من عدم شعوره بي وظللت أحاول نسيان الموضوع لفترة طويلة جدا ألم تفكري للحظة واحدة ان مصارحتك لي بالحقيقة قد يهون ويسهل علي نسيانه"، ثم التفتت إلى "أميرة" موجهة إليها نفس السؤال:"وانتي يا صديقة عمري لماذا لم تقولي لي انتي الأخرى" فردت عليها بنفس الإجابة التي قالتها "مريم" مضيفة انها لم تكن تحبه فلم يكن للأمر معنى أو أهمية لديها.


كل هذا الحديث العاصف يدور بينهن الثلاثة والأمطار بالخارج تتزايد والجو يزداد سوءا والسماء تمتلئ بالغيوم التي تحولها للون الأسود الداكن، وفي هذه الأثناء بينما تحاول "مريم" و "أميرة" إقناع "رانيا" بحسن نيتهن مازالت "رانيا" تصب جام غضبها عليهما لتقول لمريم: "انتي طوال حياتك وانتي تحبينها أكثر مني وأنا أشعر بذلك وأشعر انني في كثير من الأحيان دخيلة عليكما وانكما تصادقونني على سبيل التعود أو الشفقة لا على سبيل الصداقة الحقيقية"، وتهم بالمغادرة لتنفعل "مريم" وتمسك يدها قائلة لها: "لا..إياكي أن تقولي هذا الكلام مجددا فانتي تعلمين مكانتك وأهميتك لدي، وانتي تعلمين أيضا تمام العلم ان هذا الكلام غير صحيح وانني لو شعرت ولو لمرة واحدة ان ما تقولينه صحيح وانه ما يدور بداخلي ما كنت عرفتك بعدها، ألم تفكري بينك وبين نفسك قبل قولك هذا الكلام إلى من الجأ في أوقاتي العصيبة وإلى من احكي كافة مشاكلي وأمور حياتي، ومن هي التي أخذ وأثق برأيها دائما في كافة الموضوعات ومن هي التي أتمنها على كافة أسراري ولا أجد سواها الجأ اليه في أوقاتي سواء السعيدة أو الحزينة...إنها انتي هل لو كان كلامك صحيحا كنت سأفعل ذلك؟!!..بالطبع لا"، وتؤكد "أميرة" نفس الكلام، فتبتسم "رانيا" التي امتلأت عينيها بالدموع لتأثرها بوقع كلام "مريم" عليها، ويبدأن في الضحك على ما حدث لتعلق "أميرة" قائلة "لقد كنت اشعر منذ البداية أنه يوم غير عادي فأنا لا استريح لاسترجاع ذكريات الماضي"، وتندفع "رانيا" موجهة كلامها إلى "مريم" :"لا أريد أن أراه مجددا، يكفي ما حدث لي اليوم"، فتضحك "مريم" وتذكرهن أنه بالصدفة نسى ان يأخذ أرقام تليفوناتهن أو حتى يعطيهن أرقامه، أما عن رقمي القديم الذي استطاع الوصول إلي من خلاله فسأغيره، فعبرن جميعا عن ارتياحهن لهذه الفكرة ويهمن بالمغادرة، فيما تختفي الغيوم وتتوقف الأمطار وتعود الشمس للشروق مجددا فتبعث في نفوسهن الشعور بالراحة والدفء المنبعث من شعاعها الذهبي النافذ إليهن من باب المقهى.

تمت


*دي أول محاولة لي لكتابة قصة قصيرة، الموضوع عمره ما كان في بالي لاقتناعي التام ان الكتابة الأدبية سواء شعر أو رواية أو قصة قصيرة هي موهبة في المقام الأول يهبها الله لمن يريد وأنا عمري ما حسيت في نفسي بالموهبة دي بس كان دايما في انسان بيقولي انتي اسلوبك في الكتابة الصحفية حلو وبيعجبني بالإضافة لقراءاتك الأدبية المتعددة طب ليه ما تحاوليش تكتبي قصص وكنت بأرد عليه بنفس الكلام اللي قولتو، بس مش عارفة جاتلي الفكرة وحبيت اشوف هعمل ايه انا عارفة انها محاولة متواضعة جدااا وقد تكون الأولى والأخيرة وينقصها كتير من قواعد وأسس بناء القصة القصيرة اللي درستها في مادة النقد الأدبي بس دة مجرد إحساس حبيت اطلعه وخلاص.. يا رب تعجبكوا

اه وكمان احب أقول لقرايبي وأصحابي اللي يعرفوني شخصيات القصة دي بكاملها من الخيال واي تطابق بينها وبين الواقع فهو على سبيل الصدفة يعني محدش يسألني مين الشخصيات دي..اتفقنا

ليست هناك تعليقات: